Can men really love like this?
من كتاب: رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان
غادة.. أعرف أن الكثير كتبوا لك، وأعرف أن الكلمات المكتوبة تخفي عادة حقيقة الأشياء خصوصاً إذا كانت تُعاش وتُحس وتُنزف على الصورة الكثيفة النادرة التي عشناها في الأسبوعين الماضيين.. ورغم ذلك، فحين أمسكت الورقة لأكتب كنت أعرف أن شيئاً واحداً فقط أستطيع أن أقوله وأنا أثق من صدقه وعمقه وكثافته وربما ملاصقته التي يخيل إلي الآن أنها كانت شيئاً محتوماً، وستظل، كالأقدار التي صنعتنا: إنني أحبك.
الآن أحسها عميقة أكثر من أي وقت مضى، وقبل لحظة واحدة فقط مررت بأقسى ما يمكن لرجل مثلي أن يمر فيه، وبدت لي تعاستي كلها مجرد معبر مزيف لهذه التعاسة التي ذقتها في لحظة كبريق النصل في اللحم الكفيف.. الآن أحسها، هذه الكلمة التي وسخوها، كما قلتِ لي والتي شعرت بأن علي أن أبذل كل ما في طاقة الرجل أن يبذل كي لا أوسخها بدوري. إنني أحبك.
........
وأشعر بصفاء لا مثيل له مثل صفاء النهاية ورغم ذلك فأنا أريد أن أظل معك، لا أريد أن تغيب عني عيناك اللتان اعتطاني ما عجز كل شيء انتزعته في هذا العالم من اعطائي. ببساطة لإني أحبك. وأحبك كثيراً يا غادة، وسيدمر الكثير مني إن أفقدك.
........
أنا لا أريد منك شيئاً، ولا أريد - بنفس المقدار - أبداً أبداً أن أفقدك. إن المسافة التي ستسافرينها لن تحجبك عني. لقد بنينا أشياء كثيرة معاً لا يمكن، بعد، أن تغيّبها المسافات ولا أن تهدمها القطيعة لأنها بنيت على أساس من الصدق لا يتطرق إليه التزعزع. ولا أريد أن أفقد الناس الذين لا يستحقون أن يكونوا وقود هذا الصدام المروع مع الحقائق التي نعيشها.. ولكن إذا كان هذا ما تريدينه فقولي لي أن أغيب أنا. ظلي هنا أنتِ فأنا الذي تعودت أن أحمل حقيبتي الصغيرة وأمضي.. ولكنني هذه المرة سأمضي وأنا أعرف أنني أحبك، وسأظل أنزف كما هبت الريح على الأشياء العزيزة التي بنيناها معاً..
غسان